حديثُ الرُّوح عينٌ على المثقَّفْ / عزُّ الدين جوهري
حديثُ الرُّوح
عينٌ على المثقَّفْ
عزُّ الدين جوهري
بدلَ أنْ أرتاحَ قليلًا بسببِ مواجعَ وآلامٍ متعددة، من جهات ومواضعَ كثيرة، رُحتُ أزيدُ المواجعَ وجعًا مضاعفًا، كي أتقفى أثر َالمثقَّف المزعومْ، وأحاورهُ)على نحو كليماوس في المأدبة( لأسأله: لماذا ضقنَا ذرعًا بكَ؟ لماذا أيُّهَا الذّئبُ تصطادُ أحلامنَا البريئةَ..البسيطةَ، تتربَّصُ بنَا الدَّوائرَ، وتسلمنَا لأحلام وردية لاتسمن ولا تغني من جوعْ؟
وقبلَ الإجابة على هذه الأسئلةِ الجارحة والمؤلمة كسيف في خاصرةِ، نريدُ أن نؤكد أنَّها، ليسَتْ لغرضِ خلخَلَةْ البُنى الثقافية، وفحص الحالة المرضية للخَلل الذي اعترى العِلاقة بين المثقَّف والإنسانْ البسيط، والذي يفترضُ أن يتحدثَ نيابةً عنهُ، وعن الكثرة الصَّامتة، فذاك مبتغى آخرَ نطرقهُ في حينهِ، إنَّما لتحديد بعض أماراتهُ وعلاماتهُ، ونفض الغبارْ عن بعضهم ممن أساؤوا للثقافة وللإنسانْ في عمومه، سواءً في وطننَا العربي، أوفي وطننَا النَّفيسْ. هذه العلاماتْ التي أصبحتْ أوضح من الشَّمس في رابعة النَّهارْ. وهذا بعضٌ من ملامحهَا:
المثقَّفْ لا زالَ حبيسَ خطابِه الأيديولوجي السَّمجْ. الخطابُ الذي دفعَ الإنسان البسيط والهامشي، أو إن شئنا الإنسان الأدنى في ميزانْ العلم والمعرفة ثمَنَه. ثمن أن النَّاطق باسمهِ)المثقَّف المفترضْ( أبعدهُ عنهُ، لمْ يَجعَله في كنَفه. لم يحنو عليه. لمْ يدَاعبه برفقٍ ولينْ. ما اشترى لهُ وردةً حمراءَ بلونِ الدَّمِ. ما أهداهُ قبلةُ حانيةً على الجبينْ. مااكترى لهُ سيَّارةً فخمةً كمَا يفعلُ الكثيرْ. ما رمَّمَ خرائبهُ. ما أنقذهُ من حروبِ الكواليس. جعله يموتُ بأبشعْ ما يكونُ عليه الموت. الموتُ الذي لا نموتُ بعدهُ أبدًا. وحين تبنَّاهْ ما أحسن التبنِّي البتَّة. ما أحسنَ يا شكري شرفْ الدِّينْ )أيُّهَا الموجوعُ منْ فرطِ خرائبه الدَّاخليةِ. أنا كذلكَ ياصديقي البسكَريُّ، موجوعٌ ومبحوحةٌ خطايَ!(.
المثقَّف تركنَا لوحدنَا في أتون معاركَ ضاريةٍ، كان يفترضْ أن يحمينَا منهَا، لكنَّهُ مضى لمآربه وغاياتهِ، واكترى لنفسه وهمًا فصدقهْ.
آآه أنا مجروحْ. مذبوحٌ شكري شرفْ الدِّينْ، موبوءٌ حدَّ القرفْ، عاجزٌ على إعطاء الوصْفة لأنني لست طبيبًا. عاجزُ عنِ الشُّكر يا شُكري)أيُّها المبشِّرُ برؤيَا أوسعْ من العينْ(. عاجزٌ عَلى البكاءْ لأنَّ الدَّمْع نفذَ من العّيْن. ما أحزن هذا يا شكري. ملّلْتُ أيها الصَّديقْ الماسي كالوطنْ(. مللتُ كجدّ جانْ ماركْ في الهويَّة، في إشارة لرواية ميلان كونديرا. ذلك الجدُّ الذي لمْ يكنْ لهُ سلاحْ يشهرُهُ في وجهِ الزَّمنْ، ونحنُ في وجه المثقَّفْ سوى آآآآآه، هذه المسكينةُ التي لمْ تكنْ تنتهي.
إنَّ ساحتنا الثَّقافية مريضَة بداء خطيرْ وفتَّاكْ، داء الأنَا والباقي إلى الجحيمْ..أنا والكل نحو الهاوية، لذا تلزمُها مراجَعَة عميقَةٌ وفاحِصَةٌ وجادَّةٌ، )كمَا تريدُ أيُّهَا الماتعْ(، تنطلق من جوازمَ فاضِلة وأنيقَة. تنطلِقُ من الدِّرايَة الحقيقيَة بالمجتمع وتلويناته، وأشكاله ومؤرِّقاته وهُمومه. تَنْطلق من القَرْية والرِّيف، والأرْصِفة المهاجرة. تنطلقُ من مراجعةْ سلوكْ المثقَّف، الذي يفترضُ أن يقترب منَّا شبرًا، لكنَّهُ يهرب منَّا ذراعًا. يَتَعالى علينا، يحْسَبُ نفسَه "هو وبس والباقي كلُّوا خس" علَى رَأْي إخواننا في بلاد الشَّامْ.
المثقَّفْ الحَقيقِي والأعمق، لا يستجدي تصفيقَ أحدْ، ولا يكترثْ كثيرًا للذي يقالْ عنهُ. المتقَّفْ الحقيقِي يشتَغِل في صَمتْ. يُراجِعُ مَنْظوماته وأسئِلَتُه الكبرى. هلْ نحن نقومُ بهذا عزيزِيَ شُكْري؟
أبدًا لا نَقُومّّْ!
إن الاشتغال في مجال الفكر والثَّقافةِ والكتابةِ ينبغي التأني فيه، والولُوجْ إليه بأَدواتْ معيَّنَة وبتؤدَة.
هو مجالٌ يقتضي منَّا قراءاتْ منهجيَة عمِيقة وفاحِصَة، وجادَّة. يقتضي منَّا تراكمْ المعارفْ والفنونْ والأدواتْ والأمصالْ والمعاولْ، والحفرُ عميقًا في ماهية الكتابة كمَا فعل ميشال فوكو في حفريات المعرفة. لكن لاشيء من هذا حصلْ!
لأنَّنَا قتَلتنَا البهْرَجَة والتَّعالِي، وغيَّبْنَا النَّقد وآلياته. فهلْ نُدرك أنَّ المثَقَّفْ، والشَّاعرْ والرِّوائي يحتاجْ إلى مُراجعاتْ جادَّة وحازمَةٍ؟؟
taglaltte@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق