إياد جلبي لـ"الوسط اليوم" : العراق جرحي الذي أتعايش معه


إياد جلبي لـ"الوسط اليوم" : العراق جرحي الذي أتعايش معه
الأربعاء, 12 أكتوير 2011


أجرت الحوار الزميلة ريم قمري-تونس

الوطن مفردات جميلة في ذاكرتي و الحنين للمكان الحلم مأساتي اليومية بالغربة

اللوحة خريطة إنسانية بلا حدود و لا قوانين و الفن عملية توثيق للحاضر


كيف نشفى من حب البلاد،و هل لعشق الوطن من نهاية،هل يتلاشي مع مرور السنوات،و تحت وطأة الغربة،كيف للعيون المشوبة بالحنين للأرض أن يزول بريقها ،و يختفي عندما نكون مسكونين بحب لا نبحث عن شفاء منه،"إياد جلبي" فنان عراقي بالمهجر تحديدا بفرنسا امتلك سحر الألوان و إبداع الريشة و برع في مجال التصميم لم تزده سنوات الغربة الثلاثون إلا حبا و التصاقا بالوطن فجسد العراق بآلامه ،و جراحه ،في أعماله الفنية ،التي امتزج فيها الفني بالذاتي،فكان العراق الحاضر الغائب،باستمرار في اغلب أعماله الفنية ، التقيته على هامش بينالي القاهرة للفنون "ثوره و تلاحم" الذي انعقد من 23 جوان إلى 30 من نفس الشهر بالقاهرة و كان لي معه هدا الحوار
الغربة و الفن عنصران متلازمان في حياة إياد الجلبي ؟؟

أخذت الغربة مساحة كبيرة من حياتي، ثلاثون سنة مدة ليست بالقليلة بعيدا عن الوطن، و آثارها واضحة في أعمالي بشكل كبير، فاللوحة هي المكان، أو الفضاء الذي يحتوي كل ما في ذاكرتي البصرية بصورة مباشرة وغير مباشرة.

ماذا قدم لك الفن و ماذا قدمت له طيلة كل هذه السنوات ؟

الفن، والتصميم بصورة خاصة قدم لي ثقافة بصرية ،و ثقافة لونية عالية، استطيع من خلال امتلاكهما أن أسجل، وأترجم مشاهداتي اليومية، وغربتي ومعاناتي ، إلى موسيقى لونية أو شكلية.

العراق جرح الماضي و الحاضر؟

العراق كان و لازال الألم، والجرح والهم الوحيد الذي يعيش معي، في كل زاوية وفي كل مكان طيلة هذه السنوات، ولقد تركت هذه الآلام بصماتها، و سجلت حضورها، في أعمالي ومنذ سنين وأنا أحاول أن اصف هذه المشاهد، وأتفاعل معها بوجدانية وبموضوعية، وأسجل هذه المرحلة التي يعيشها العراقيون اليوم للأجيال القادمة، في عصر قد يكون ارحم من عصرنا هذا.

إياد جلبي إنسان و فنان مسكون بحنين دائم للمكان و الزمان و جسدت ذلك في اغلب أعمالك إلى أي مدى يصح هذا القول ؟

أصبح المكان حلم ، أو موسيقى جميلة، تسمعها ولا تلمسها، وهذه هي المأساة التي أعيشها أنني احلم بمكان جميل ليس له وجود إلا في الذاكرة، هذا هو العراق بالنسبة لي ، العراق تفاصيل ومفردات جميلة ، لغة وأصدقاء، والحنين لهذا المكان ولهذه التفاصيل ولهذه الذكريات الجميلة أعيشها كل يوم، أصعب شي أن تفقد الوطن وتعيش غريب أينما ذهبت، وتفتقد الأشياء والتفاصيل التي هي جزء مهم من تكوينك الفكري والثقافي.

هل تؤمن بأن الفن يغير من الواقع الذي تفرضه السياسة ؟

أكيد، الفن والثقافة لهما دور في تنمية وتثقيف المجتمع ،وإذا كان الفنان أو المثقف صادق مع نفسه ومع ما يؤمن به، فأن دوره يكون مهم جدا في تغير الواقع السياسي والاجتماعي، العملية الإبداعية هي سر من أسرار نجاح وتطور الدول الكبرى، الفن يضيف نكهة وطعم للحياة، ولا حياة دون فن.

لو حدثتنا عن وضع الفنان العربي و العراقي بالغرب ؟؟

الفنان العربي والعراقي بصورة خاصة، يواجه الكثير من المعانات في بلده وفي الغربة، أيضا في مجتمعنا العربي، لا ننظر للفن كقيمه ثقافية، وإنسانية تهذب وتعلم وترقي الفكر والحس في المجتمع، ولذالك لا توجد لدينا من المؤسسات الثقافية، أو من الوعي الكافي للاهتمام بهذا الجانب ودعم الفنانين والمبدعين بالشكل المناسب، المؤسسات الثقافية عندنا يجب أن تكون موالية للسلطة أو جزء من السلطة ، لا يهم ما تمتلك هذه المؤسسات من ثقافة، أو من قدرة على تنمية الفن والحالة الإبداعية بهذا المجتمع، المهم أن تكون موالية للسلطة، وخادمة لرغباتها، هذا فيما يتعلق بالحالة الإبداعية في عالمنا العربي مع الأسف، أيضا نحن نفتقر تجربة فنية جماعية ، لأنه لا يوجد هناك مناخ صحي ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي يساعد على نمو مثل هذه المجموعة الفنية وتبقى تجربة الفنان فردية ،محدودة ولكن رغم كل هذه العراقيل نجد أن الفنان العربي، لديه من العزيمة و الأصالة والهوية ما يؤهله أن ينافس الفنان الأوربي وبجدارة.

هل تعتبر أنك حققت ذاتك كفنان ؟

الرحلة طويلة، ولقد حققت بعض مما اطمح إليه ومازلت في الطريق، ابحث عن الكثير من المفردات اللونية المعقدة،ومن الصعب الوصول إليها عالم الفن رحلة بالا نهاية.

شاركت مؤخرا في بينالي القاهرة ثورة و تلاحم حدثنا عن هذه المشاركة و تقييمك لها ؟

كانت من أروع ما شاركت به إلى حد الآن ،أولا لأني التقيت بأناس من أروع ما يكون، والأجواء كانت مشبعة بالأمل والحب والتفاؤل، لم يكن بينالي عادي انه بينالي ما بعد الثورة، ولي الشرف أني شاركت فيه ،وخصوصا أنني كنت من المتابعين الفرحين بثورتي تونس و مصر، ثم إن البينالي ومن يديره هم من أروع شباب مصر، ومن الطبيعي أن أشارك ، لان نوعية أعمالي ،هي عن الشهداء والمقاومة، والثورات ،ولأول مرة أجد نفسي ، وأعمالي في المكان المناسب.

رأيك في واقع الفن العربي عموما و العراقي خاصة ؟

هناك حركة فنية لا يستهان بها في عالمنا العربي ، وفي الآونة الأخيرة لاحظنا نشوء صالات "وكاليرهات" في دول عربية مهمة كنا نفتقدها في الماضي، وهذا يساعد على فصل الفن، عن تأثيرات الدولة أو السلطة، رغم استمرا وجود بعض" المافيات" والتجمعات الفنية، وأنا اسميها "الدكتاتوريات" الفنية لأنها تمارس نفس أسلوب المؤسسات الثقافية التابعة للدولة، ولكن بطريقتها فتحاول عرقلة مسيرة الفنان إذا لم تكن تربطه علاقات صداقة بهذه المجموعات المسيطرة، ومع الآسف هذه التجمعات موجودة في الوسط الفني العربي اليوم .

الحرب و الفن ثنائي تلازم في حياتك ؟؟

عند حدوث حرب الخليج الأولى ١٩٩٠اتجهت أعمالي في اتجاه آخر و مختلف ، وجدت نفسي في حالة من الغضب والحزن ، لم اعد أسيطر على لمسات الفرشاة التي ارسم بها، ومعالم ظهور لغة لونية جديدة برز على سطح اللوحة، لغة تعبر عن وجداني وغضبي وحزني في تلك المرحلة، و بهذه الضربات العنيفة، و من خلال تدفق هذه الألوان الجريئة المبعثرة ، هنا وهناك بلا حدود ولا قوانين على سطح اللوحة كترجمة عن هذا الحزن والغضب ، بلغة تجريدية الشكل، تحولت اللوحة إلى خريطة إنسانية ،نبحث من بين هذه التضاريس اللونية المرتبكة، في هذه المساحة الإنسانية عن مكان وشكل الوجه، فجاء وجه الشهيد ليصبح جدار من الذاكرة الإنسانية التي نعيشها اليوم ، وشاهد على هذه المرحلة، ومن هنا بداية رحلتي مع الشهداء وأنا أتابع هذه الرحلة منذ ٢٠سنة وبكل أمانه إلى يومنا هذا مستمر .

أنا كعراقي ،انتمي إلى هذه الأرض الطيبة، و دوري كمثقف، وفنان يشعرني بمسؤولية كبيرة تجاه هذا الوطن، حاولت أن اجمع كل معاناة التجربة الإنسانية التي نعيشها ونعاني منها، للتوثيق لهذه المرحلة، ثم جاءت حرب غزة، وحرب لبنان، واحتلال العراق، ثم "الفلوجه" ثم الثورات العربية ولازلت مستمر في هذه الرحلة، مع الشهداء، وحامل لهذه الرسالة وبكل فخر والله الموفق.

بعيدا عن منطق السياسيين تقيمك كفنان عربي للتحولات الكبرى التي عاشتها المنطقة العربية بعد تفجر الثورات ؟

تحقق الحلم، ولكن لازلنا في بداية الطريق، وسنشهد ثورة ثقافية لا مثيل لها في عالمنا العربي، لأننا شعوب تمتلك كل شي،ماعدا حكام جديرين بهذه البلاد.
أعمالك القادمة ؟
لازلت مع الشهداء، ولا اعرف متى يتوقف هذا النزيف، لكي أتحول إلى مرحلة أخرى جديدة .

http://www.alwasattoday.com/index.php/home/tutt/15645-%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D8%A8%D9%8A-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%AC%D8%B1%D8%AD%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%A3%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D8%B9%D9%87

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح