الكتابة بائسة في هذا الزمن الأغبر / محمد الأمين سعيدي



في كثير من النصوص التي نتعاطاها يوميا، نجدُ كثيرا من العاطفة ووابلا من الصرخاتِ الدونكيشوتية المترهلة، غير أننا نفتقدُ توهّج المعنى، نفتقد النظرة العميقة إلى الأشياء، والحفرَ الموغل في غيب الدلالة وفي امتداداتِ الرؤيا. لقد صارتْ الكتابة بائسة في هذا الزمن الأغبر، ولا يزال هذا الكاتب العربي، على رغم أقنعة الحداثة أو التقدم التي يرتديها، يحاولُ فحولةً ترفعه فوق الجميع، ويروم "مفاضلة" تمنحه ركاما من ...المدائح الفجّة. بينما هو في الحقيقة مجذوعٌ عن ذاته مثلما هو منفصل عن الآخرين.
أحيانا، تفتح رواية لتشفي بها عطشك إلى الحكي، ولتتذكر شهرزاد الحكاية، أو ليالي الجدات الرائعات على الأقل، فتجد أيَّ كلامٍ وحكيا يستطيعه الجميع، وإذا سحرتك اللغة أول الأمر فسيفجعك، وأنت تتقدم في القراءة، أنَّ هذه اللغة البهية تعبر عن ذاتٍ لا تمثل إلا صاحبها.
ثم إنَّ كثيرا من الدواوين الشعرية لا تملك من الشعر إلا ما يوضع على غلافها من كلمة دالة على الشعر كتصنيف لا كممارسة، وربما لا تملك إلا عناوين براقة تجذب الناظر، وتفجعه بسوء باطنها، كالمرأة الفاتنة التي تضمر تحت إبطيها بركانا من الروائح "النووية"القاتلة.
وإذا تساءل القارئ عن غياب المعنى، وفقدان الوحدة، والافتقار إلى الموضوع، أجيب بدعاوى عرجاء كتفجير الكلام وتحطيم اللغة، وهذا بغرض إخفاء عورة تلك النصوص ومغالطة القارئ.
بعد هذا كله، كيف ستتنفس الأعمال الجيدة تحت جبال هذه الخربشات الركيكة؟ كيف تسلم الجمالية من عشراتِ الكتابات العامرة بالقرف؟ ومن هذا الواقع الأدبي القبيح؟ومتى تتوقف أكوام المجاملات التي يصدرها أساتذة ودارسون قتلوا الأدب بمحاباتهم وجعلوا كل بهية وجهٍ وعامرة قدٍّ شاعرة، وكل "مصيبة" لا نعرف من أين برز للناس روائيا مجيدا وأديبا كبيرا؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح