حديث الرُّوح..الحرُوبْ الفكرية.. الرَّاعي في مقابلْ القطيعْ / عزُّ الدينْ جوهري
الحرُوبْ الفكرية.. الرَّاعي في مقابلْ القطيعْ
عزُّ الدينْ جوهري
ممتعٌ.. جارحٌ، وموجعٌ الحديثُ إلى سَعادة السَّفيرْ السودانيِّ في لبنانْ) سابقًا*( المفكِّرْ والشَّاعرْ: جمالْ محمد إبراهيمْ، والذي تربطنيَ بهِ علاقةٌ إنسانيةٌ راقيّةٌٌ زمنَ إقامتيَ ببيروتَ ودمشقَ. ولازالتْ ممتدَّةٌ إلى يومنَا هذا) والتي أتمنَّاهَا باقيةٌ مابقيَتِ الأرضُ والسَّماءْ(، حيثُ رُحنَا نشخِّص أمراضنَا وتعلَّاتنَا، والأزمةَ التي تنخرُ جسدَ أمَّتِنَا وروحها كلٌّ بمنظوره. وأعترفْ أنَّهُ أكثرَ منِّيَ درايةً بالهمِّ العربيِّ بحكمِ تجربتهِ العميقةِ والطَّويلةِ، وكذا اشتغالهِ الدَّائمْ في هذا الشَّأنْ.
لمْ تكنْ الأسئلةُ من قبيلِ تمضيةِ الوقتْ، والأجوبةُ لمْ تكنْ كذلكَ. لمْ تكنْ أحاجي سودانية في مقابلْ أحجياتْ جزائرية، إنَّما كانتْ صادمةٌ وعنيفة وموجعة. فالحالُ مزري وتعيسْ..أكثرٌ إيلَامًا من سيفٍ في خاصرةٍ، لجهة الأسئلةِ وحزمةِ الأجْوبةِ التي تأتينَا من واقعنَا العربِّي المتردّي والموبوءْ، منذُ طردنَا من الأندلسْ إلى احتلالْ الأرضْ الطَّاهرة فلسطينْ.
لقد استطاعَ الآخرْ)الذينَ سرقَ منّا الأرضَ والعرضَ(، العبثْ بنَا وبمصيرنَا،. استطاع أن يوقعَ منَّا ضحايَا على كثرتهمْ) بدءً منَّيَ( بطريقةٍ أبشع وأشنعْ، سوَاءً بالرَّصاصِ والبندقيةِ والقنابلْ) كمَا في كوسوفَا، العراقْ ولبنانْ والصومالْ، والسودانْ، واليمنْ...(، أو بالعزفِ على أوتارْ التقدُّم والازدهارِ واللادينْ واللاعقلْ، والجنسْ للجميعْ، والموضة، وآخرْ صيحة، وطلقةٌ أخيرةٌ في عالمِ الحلاقةِ الذي برعَ فيهَا هذا الجيلْ) كمَا في كلِّ شبرٍ من الأرضْ العربية( إلى أنْ أبعدونَا عن هويَّتنَا.. حاولوا إلغاءنَا بكل الوسائلِ والسُّبلِ ونجحُوا. حاوَلُوا جعلنَا قطيعًا من البهائمْ ونجحُوا في تحويلنا إلى ذلكَ. جعلونَا نتنازلْ عن هويَّتنَا وأرضِنَا لأجلِ نزهةٍ في نيويوركْ أو نتاليَا، أو في واشنطنْ، وغيرهََا من العواصمْ التي لو نطقتْ لكشفتْ قبحنَا وعريَنَا. فعلوا ذلكَ وحينَ كربْنَا أن نفيقَ من سكرنَا لمْ نجدْ لا الأرضْ ولا العرضْ. وحينَ فقنَا تمامًا وجدنَا الطَّريقَ مسدودةٌ، في كلِّ رصيفٍ قنبلةٌ وعلى كلِّ بابٍ خزيٌّ وعارْ، وفي كل شارعٍ تقاريرْ يومية عن الصَّحياتْ والأفلامْ والحبّْ الذي فقدنَا حتى نشوتهُ، بسببِ همجيتنا في التَّعبيرِ عن مشاعرنَا.
بهذا الشَّكلْ أيُّها السَّادةُ الشُّرفاءْ في كلِّ البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ لا نستحقُّ الحياةَ.لا نستحقُّهَا البتَّة. وكمْ صدقتَ يا نيتشة حينَ قلتَ: إنَّ الإنسانيةَ تعجُّ بالأشخاصِ الذينَ يتعيَّنُ عليهمِ الإعراضُ عن الحياة..الإستقالة منهَا. علَّكَ تقصدنَا؟ وإن كنتَ كذلك، صدقتَ.
لا نستحقُّ الحياةْ لأنَّنَا بعنَا ذممنَا.
لا نستحقُّ الحياةَ، لأنَّنَا خرجْنَا عن منهجنَا. لا نستحقُّهَا لأنَّنَا لمْ نصلحْ انكساراتنا وهزائمنَا.. لانستحقُّها لأننا ما لملمنَا شتاتنَا لنحيَا منْ جديدْ.
أيُّها الشُّرفاءْ، إذا كانَ الغربُ مارسَ علينَا أبشعَ وأفضعَ الأدوات للقضاءْ علينَا فهوَّ على الأقل مارسَ الخطأْ )ليسَ تبريرًا كمَا قد يزعمُ البعضُ للغربْ. لعنَ الله كلَّ غربيِّ يريدُ بنَا سوءً( ولكنَّنا نحنُ مارسَنَا الصَّمت تجَاه تلكَ الممَارسَات الشَّنيعة والقاسية بحقِّ أنفسنَا، وأحيانًا مارسنَا التَّصفيقَ وقرعِ الطُّبولْ بسبب خرائبنَا التي أقامَ لها) للأسف( بعضُ العربِ ليسَ مأتمًا وعويلًا، بلْ أفراحًا وأنخابًا وأعيادَ ميلادْ. رقصوا على جماجمِ بعضنَا الذينَ راحوا ضحيَّةِ الحروبِ القذرةِ.
إنَّ الحروبْ القادمة سوفَ تكونُ حروبًا فلسفيةً وفكريةً كمَا أخبرتنَا سعادة السَّفيرْ والبقاءُ فيهَا للأكثرْ علمًا والأغزرْ فكرًا. وإنْ كان الآخرُ قدْ حطَّمنَا بالحروبِ والآلاتْ والقدرة العسكرية الهائلة والترساناتْ الحربية الرَّهيبة ودعسَ علينا من كل جانبْ، فسيدعسْ علينَا بالفكر. بأفلامهِ، وصيحاته دونَ أن نحرِّكَ ساكنينْ. وياليتَ الأمرُ عند هذا الحدّْ. سلخنَا عن جلودنَا.. أبدلنَا جلودًا غيرَهَا.. جعلنَا نتنكَّرْ لعرقنَا ولأصلنَا.. لتاريخنَا وأصالتِنَا وثوابتَ أمَّتنَا، وها نحنُ كمَا يعلمُ الجميعْ قطعانًا من الماشيةِ نساقُ كلَّ يومٍ للجزِّ والنَّحرِ، وأشياءٌ أُخرْ!!
----------------
* هوَّ الآنَ من الأعلامْ البارزين في مؤسسة الفكرْ العربي التي يرأسهًا الأمير: خالد الفيصلْ.
تعليقات
إرسال تعليق